في زحمة الحياة، نمرّ على قصص كثيرة، بعضها يترك فينا أثرًا لا يُمحى. قصة راشد واحدة من تلك القصص التي لا تكتفي بإثارة الإعجاب، بل توقظ فينا إيمانًا بأن الطموح لا يعرف إعاقات، وأن الجسد قد يضع حدودًا، لكن الروح والإرادة قادرتان على تجاوز كل شيء.
راشد لم يكن نجمًا في الإعلام، ولا بطلًا في المسابقات الدولية عندما بدأ، بل كان طفلًا على كرسي متحرك، يراقب أطفال الحي وهم يلعبون كرة القدم من بعيد، بعينين مليئتين بالحلم، وقلب لا يعرف الاستسلام.
الفصل الأول: البداية الصامتة
وُلد راشد بإعاقة حركية أثّرت على الجزء السفلي من جسده. منذ طفولته، كان يتنقل باستخدام الكرسي المتحرك، وتلقى رعاية كبيرة من والديه، خاصة والدته التي كانت ترفض أن يُعامل ابنها كـ “حالة خاصة”. لكن، رغم المحبة والدعم، لم يكن سهلًا على راشد أن يندمج مع أقرانه، خصوصًا في الأنشطة الرياضية التي كانت تشدّه بشدة، دون أن يستطيع المشاركة فيها.
في عمر العاشرة، كتب في دفتره الصغير: “سألعب يومًا ما… حتى لو قال الجميع إنني لا أستطيع.”
الفصل الثاني: اللقاء الذي غيّر حياته
في إحدى الأيام، اصطحبته والدته إلى مركز مجتمعي يقدم أنشطة لذوي الإعاقة. كان المركز يضم برامج رياضية، فنية، وتدريبية، من بينها فريق لكرة السلة بالكراسي المتحركة.
في البداية، جلس راشد يشاهد من بعيد. لكن أحد المدربين اقترب منه وسأله: “تحب الرياضة؟” فأجاب بحماسة: “جداً، بس ما أقدر ألعب مثلهم.” ابتسم المدرب وقال: “ومن قال إنك لازم تلعب مثلهم؟ تعال جرّب تلعب بطريقتك.”
ومن هنا بدأ كل شيء.
الفصل الثالث: أول خطوة على الملعب
انضم راشد لتدريبات فريق كرة السلة على الكراسي. في البداية، كان يجد صعوبة في التحكم في الكرسي أثناء اللعب، وفي تمرير الكرة والتصويب، لكنه لم يتوقف. كان أول من يصل للتمرين، وآخر من يغادر. تمرّن لساعات، وواجه لحظات إحباط كثيرة، لكنه كان يعيد قراءة جملته المكتوبة: “سألعب… يومًا ما.”
الفصل الرابع: الإنجاز الأول
بعد عام كامل من التدريب، شارك راشد مع فريقه في بطولة محلية. لم يكن الهدف الفوز، بل إثبات الذات. في المباراة النهائية، سجّل راشد ثلاث رميات حاسمة جعلت فريقه يتأهل للنهائي. بعد صافرة النهاية، لم يصرخ، لم يحتفل، بل رفع يديه ونظر إلى والدته التي كانت تبكي فرحًا.
لم يتوقف راشد عند الرياضة فقط. بدأ يشارك في فعاليات مجتمعية عن تمكين ذوي الهمم، وقدم ورشًا لطلاب المدارس حول الإصرار والثقة بالنفس. أصبح رمزًا محليًا يُحتذى به، وأكد للجميع أن النجاح ليس له هيئة واحدة.
نجاح راشد لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة لتربية واعية دعمت استقلاليته منذ الطفولة. والدته آمنت بقدراته، وشجعته على أن يتحمل مسؤولية نفسه. وإذا كنت كأب أو أم تتساءل: “من أين أبدأ مع طفلي من أصحاب الهمم؟” ندعوك لقراءة دليلنا الكامل:
في إحدى الندوات، سأل أحد الحاضرين راشد: “ما رسالتك لأطفال ذوي الإعاقة اللي يحسون إنهم ما يقدرون يحققون أحلامهم؟”
أجاب راشد بثقة: “الإعاقة ما تمنعك من الحلم، لكن إذا ما بدأت بمحاولة بسيطة، بيظل الحلم مجرد فكرة. لا تنتظر أحد يشجعك، كن أنت أول مشجع لنفسك.”
الخاتمة: الإلهام لا يُمنح… بل يُصنع
كل طفل من أصحاب الهمم يحمل في داخله قدرة فريدة تنتظر من يكتشفها. راشد لم يكن ينتظر أن يتغير العالم، بل قرر أن يخلق لنفسه عالمًا يناسبه. ابدأ الآن، بصنع الإيمان في قلب طفلك، ودعه يجرّب، يخفق، ثم ينهض… فقد يكون هو الإلهام التالي.