الاستعداد النفسي

التحضير للمدرسة: خطوات عملية لتهيئة الطفل نفسيًا وسلوكيًا

المقدمة: بداية جديدة تحتاج إلى رعاية خاصة

بالنسبة لأي طفل، تمثل المدرسة عالمًا جديدًا مليئًا بالتجارب والتحديات.
لكن لأطفالنا من ذوي الهمم، فإن هذا العالم قد يكون محاطًا بالقلق، الغموض، وصعوبات التكيف.
ولذلك، فإن التحضير الجيد – نفسيًا وسلوكيًا – هو المفتاح لجعل هذه البداية ناجحة.

في هذا المقال، سنقدم خطوات عملية ومجربة لتهيئة الطفل من أصحاب الهمم لدخول المدرسة، بطريقة تدعم ثقته، وتقلل من توتره، وتزيد فرص اندماجه ونجاحه.


أولًا: لماذا التحضير مهم جدًا لأطفالنا؟

  1. الانتقال من المنزل إلى بيئة جديدة
    الطفل اعتاد على بيئة محمية في البيت أو المركز، بينما المدرسة تتطلب التكيف مع مكان أكبر، أصوات جديدة، أشخاص غرباء، وروتين مختلف.

  2. الاحتياجات السلوكية الخاصة
    بعض الأطفال قد يُظهرون مقاومة، نوبات غضب، أو انسحاب، بسبب صعوبة فهم ما يُتوقع منهم.

  3. الحاجة إلى دعم الذات والثقة بالنفس
    كلما شعر الطفل بالأمان والثقة قبل المدرسة، زادت فرص نجاحه لاحقًا.


ثانيًا: متى نبدأ التحضير؟

  • يفضّل أن يبدأ التحضير قبل 3 إلى 6 أشهر من بدء العام الدراسي.

  • ذلك يمنح الوقت الكافي لتعويد الطفل تدريجيًا، وتعديل أي سلوكيات إن لزم.


ثالثًا: خطوات عملية للتحضير النفسي والسلوكي

1. زيارة المدرسة مسبقًا

  • خذ الطفل في جولة داخل المدرسة قبل بداية العام

  • عرّفه على الفصول، الحمامات، ساحة اللعب

  • قابل المعلم إن أمكن، وخذ صورة للصف لتريه إياها لاحقًا

الفائدة: تقليل عنصر المفاجأة، وبناء صورة ذهنية إيجابية.


2. الاعتماد على القصص الاجتماعية المصورة

  • اكتب أو استخدم قصة مصورة تشرح: “أين سأذهب؟ ماذا سأفعل؟ من سيكون معي؟”

  • أضف صورًا حقيقية إن أمكن (مدخل المدرسة، المعلم، المقاعد)

الفائدة: الأطفال يتعلمون أكثر من خلال القصص البصرية.


3. تدريب على الروتين اليومي المدرسي

ابدأ بتطبيق الجدول الزمني المتوقع:

  • وقت الاستيقاظ

  • ارتداء الزي

  • تحضير الحقيبة

  • تناول الفطور

  • وقت الحافلة أو الذهاب

كرر هذا التدريب يوميًا حتى يصبح مألوفًا.


4. تدريب على المهارات الاجتماعية

  • كيف أطلب المساعدة؟

  • ماذا أفعل إذا أردت الذهاب للحمام؟

  • كيف أتعامل إذا شعرت بالخوف أو الانزعاج؟

استخدم التمثيل التمثيلي (Role Play) في البيت مع الدمى أو الأهل.


5. تنظيم جدول التهيئة الحسية

بعض الأطفال من أصحاب الهمم لديهم حساسية مفرطة للأصوات أو الملمس أو الروائح.
احرص على:

  • شراء ملابس مريحة لا تزعجه

  • وضع سدادات أذن خفيفة إن لزم

  • التنسيق مع المدرسة لتحديد منطقة “تهدئة حسية”


6. تعزيز الاستقلالية

علّم الطفل:

  • كيف يرتدي حذاءه

  • كيف يغسل يديه

  • كيف يستخدم الحمام

  • كيف يفتح حقيبته أو صندوق الطعام

الثقة تبدأ من القدرة على تنفيذ هذه الأمور البسيطة.


رابعًا: دعم المدرسة والأسرة سويًا

  • تواصل مع المعلمين وعرّفهم على خصائص ابنك

  • أرسل تقريرًا طبيًا أو تربويًا مختصرًا

  • اطلب إدماج طفل في برنامج “الدمج” أو “الدعم التربوي” حسب الحاجة

  • اتفق مع المدرسة على وسيلة تواصل يومية لتتبع التقدم


خامسًا: تجربة واقعية – سارة والانتقال الصعب

سارة، طفلة على طيف التوحد، دخلت المدرسة في عمر 6 سنوات.
في أول أسبوع، بكت كثيرًا، ورفضت الجلوس، وعانت من نوبات هلع عند دخول الفصل.

والدتها قررت البدء بخطة تهيئة مبكرة، شملت:

  • زيارة أسبوعية للمدرسة قبل العام

  • إنشاء قصة مصورة عن “يومي في المدرسة”

  • تدريبات روتينية صباحية

  • تنسيق مع المعلمة لوجود دعم فردي أول أسبوعين

بعد شهر، بدأت سارة تشارك في الصف، وكونت صديقة، وشاركت في نشاط فني.

قالت أمها:
“المفتاح لم يكن المدرسة نفسها، بل كيف مهدنا الطريق إليها.”

الخاتمة: المدرسة ليست اختبارًا… بل فرصة

كل بداية صعبة، لكنها لا يجب أن تكون مؤلمة.
التحضير الجيد هو هدية نمنحها لأطفالنا، ليبدؤوا هذه الرحلة بثقة، ويمضوا فيها بسلام.
أنت كأب أو أم، صانع الطريق، ومهندس الثقة… فابدأ من اليوم.