أطفال التوحد لا يعبّرون عن مشاعرهم كما يفعل الأطفال الآخرون. الغضب لديهم قد يظهر في صورة صراخ، أو انسحاب، أو حتى صمت تام. القلق قد يعبّر عنه بتكرار حركة، أو رفض مفاجئ للروتين. ولهذا، حين نواجه مشاعرهم “بالرد” بدل “الفهم”، نخسر فرصة ثمينة لبناء جسر من التواصل.
في هذه المقالة، سنستعرض استراتيجيات عملية لفهم وإدارة المشاعر السلبية عند أطفال التوحد. نبدأ من الملاحظة، ونمر بالفهم، ثم نصل إلى خطوات يومية يمكن لكل ولي أمر تطبيقها.
أولًا: ما هي المشاعر السلبية الشائعة لدى أطفال التوحد؟
القلق: نتيجة التغيرات أو المواقف غير المتوقعة.
الغضب: بسبب الإحباط أو العجز عن التعبير.
الخوف: من أصوات معينة، أو تجارب اجتماعية.
الحزن: نتيجة العزلة أو فقد شيء مفضل.
الانسحاب: كرد فعل لأي توتر لا يستطيع الطفل التعبير عنه.
ثانيًا: لماذا يواجه أطفال التوحد صعوبة في التعبير عن مشاعرهم؟
لديهم تأخر أو اختلاف في مهارات اللغة.
لا يربطون دائمًا بين الشعور والتعبير اللفظي عنه.
البيئة المحيطة قد لا تكون مهيأة لتقبل تعبيراتهم.
ثالثًا: كيف أعرف أن طفلي يعاني من مشاعر سلبية؟
الطفل المصاب بالتوحد قد لا يقول: “أنا حزين” أو “أنا خائف”. لكن قد:
يكرر سلوكًا معينًا فجأة
يرفض أشياء كان يحبها
يبدأ بالصراخ أو العنف الذاتي
ينسحب اجتماعيًا
يتغير نومه أو أكله
كل هذه إشارات علينا أن ننتبه لها لا أن نوبّخها.
رابعًا: استراتيجيات فعالة للتعامل مع المشاعر السلبية
1. استخدم أدوات بصرية لتعليم المشاعر
اعرض على الطفل صور وجوه تعبّر عن المشاعر (فرح، حزن، غضب، قلق). درّبه يوميًا على الإشارة لما يشعر به.
2. أنشئ ركنًا للتهدئة
مكان هادئ يحتوي على:
وسائد
ألعابه المفضلة
ضوء خافت
بطاقات مشاعر
كلما شعر بالغضب، درّبه على الذهاب إلى هذا الركن لتهدئة نفسه.
3. احتفظ بروتين ثابت
التغييرات المفاجئة تزعج الطفل وتثير مشاعر القلق. اخبره مسبقًا بأي تغيير قادم باستخدام قصة مصورة أو جدول زمني بصري.
4. استخدم القصص الاجتماعية
اكتب قصة بسيطة فيها شخصية تمر بنفس مشاعر الطفل، وتشير إلى كيفية التصرف. مثلًا: “سامي غضب لأنه لم يجد لعبته، جلس في ركن التهدئة وأخبر أمه، فساعدته.”
5. قلل التوقعات أثناء نوبات المشاعر
لا تطلب منه تنفيذ أوامر أو مناقشة السلوك أثناء النوبة. دع مشاعره تهدأ، ثم تحدث معه بعدها.
6. درّبه على التنفس العميق
استخدم لعبة الفقاعات، أو ورقة يرسم عليها دوائر يتبعها بالتنفس. التنفس يساعده على التهدئة البيولوجية.
خامسًا: دعم الأسرة والمجتمع للطفل
تحدث مع المعلمين عن احتياجاته الانفعالية.
امنحه مساحة في الأماكن العامة، ولا تُشعره بالإحراج.
كن قدوة في التعبير عن مشاعرك أمامه.
شاركه في تمارين “أنا أشعر بـ… لأن…” يوميًا.
تجربة واقعية – خالد والتعامل مع نوبات الغضب
خالد، طفل في السابعة من عمره على طيف التوحد. كانت نوبات الغضب تحدث له كل يوم تقريبًا، وتبدأ بالصراخ ثم رمي الأشياء. أمه لم تعد تصرخ أو تعاقبه، بل جهزت له ركن تهدئة، ودرّبته على كلمات بسيطة مثل: “زعلان” و”أبي وقت”.
خلال شهرين، بدأت النوبات تقل، وأصبح خالد يقول: “أنا أبي هدوء”، بدل الصراخ.
قالت أمه: “كنت أظنه يتعمد الإزعاج، لكن عرفت أنه كان فقط… يحاول يقول لي: ساعديني.”